Topic outline

  • الأزمة المنهجية للأدب المقارن

     

    الدرس الأول: الأزمة المنهجية للأدب المقارن

     

    لمحة تاريخية :

        بدأت أزمة الأدب المقارن منذ اللحظة الأولى التي نشأ فيها ، و تجلت في مفاهيمه  و مناهجه و قضاياه ، و كان للسياسة دور كبير في تفاقم الأزمة ، و بخاصة لما حاول الفرنسيون تكريس باريس عاصمة للثقافة الأوروبية ، و هو ما قابلته بريطانيا بالتجاهل ، حيث لم تحفل بالأدب المقارن الذي كاد أن يكون فرنسيا خالصا ، و قابلت أمريكا النزعة الفرنسية بالتحدي لأسباب كثيرة ذاتية و موضوعية ؛ فمن الأسباب الذاتية الوضع الخاص لأمريكا ثقافيا ، حيث بدا المسلك الفرنسي في الدراسات المقارنة بخلفيته الوضعية المنطقية غير مناسب لطبيعة الثقافة الأمريكية القائمة على التعدد و احترام الآخر ، و حرية التجربة الإبداعية بحكم وضعها ، و من الأسباب الموضوعية ما حملته الدراسات المقارنة في أمريكا من انفتاح و روح نقدية غداها النقد الجديد و المدرسة الشكلانية بعيدا عن فكرة التأثير و التأثر الفرنسية التي كادت أن تخنق الدراسات المقارنة .

        و من مظاهر الأزمة في الدراسات الأدبية المقارنة إشكالية المصطلح ، حيث عرفت مصطلحات أربعة على الأقل لتسمية هذا العلم أولها تاريخ الأدب المقارن  و هي التسمية الأولى التي اعتمدها الفرنسيون       و ثانيها النقد الأدبي المقارن  و هي تسمية أمريكية في مقابل علم الأدب المقارن و هو مصطلح ألماني ،     و هناك من اقترح نظرية الأدب المقارن . و كانت هناك مشكلة حدود أي : ما سماه حسام الخطيب معضلة تحديد المنطقة النوعية لأدب المقارن بمعنى: أين يبدأ و أين ينتهي ؟ و ما هو الحد الفاصل بينه و بين الأدب العام ؟ كما ظلت قضية الهدف من الدراسات المقارنة أمرا يقض مضاجع الباحثين في هذا المجال ، إذ رغب رواده الفرنسيون في أن يعمل دارس الأدب المقارن كوسيط بين الشعوب لكن مشاعرهم الوطنية الضيقة شوهت هذا الطموح ، و أثارة حفيظة الأمم الأخرى ، بل وجدنا من المقارنين الفرنسيين من أبدى رفضا لبعض مرتكزات المدرسة الفرنسية كروني إيتيامبل و كلود بيشوا و أندريه روسو.

    اعتراضات روني ويليك على المدرسة الفرنسية:

        تجلت أفكار الاتجاه الأمريكي لدى أمثال هنري ريماك و رينيه ويليك الذي أبدى  وجهة نظر مخالفة لوجهة نظر المقارنين الفرنسيين في كتبه المختلفة ، و أهمها كتاب ( نظرية الأدب ) بالاشتراك مع أوستن وارن 1949م و ( مفاهيم نقدية ) و ( الهجوم على الأدب)و هي كتب نشرها لاحقا ، لكن مقاله الشهير في شابل هيل بمناسبة المؤتمر الثاني للرابطة الدولية للأدب المقارن و عنوانه ( أزمة الأدب المقارن) لخص الموقف و أبرز مدى الهوة بين ضفتى الأطلسي فيما يتعلق بالدراسات الأدبية المقارنة.

        لقد ميز رينيه ويليك (1949م) في الدراسات الأدبية بين النظرية و النقد و التاريخ و حاول نقد مصطلحات : الأدب العام و الأدب المقارن ، و الأدب القومي ؛ فقال : (( إن مصطلح الأدب المقارن مصطلح متعب ))... و ذكر أن المقارنة الشكلية بين الآداب ينذر أن تكون فكرة مركزية في تاريخ الأدب ،  و دعا إلى سعي الأدب القارن إلى تحديد التماثلات و المتوازيات . ثم ناقش علاقة الأدب المقارن بالأدب الشفوي الذي دعا إلى إلحاقه بالأدب المكتوب الذي لم تساعد الدراسات المقارنة على دراسته. و انتقد دراسة الصلات بين أدبين أو أكثر لأن تراكم الدراسات في هذا المجال لا يؤدي إلى بزوغ نسق واضح ،إذ أوضح يشرح وجهة نظره :(( فالمقارنات بين الآداب ، إذا كانت معزولة عن الاهتمام بمجمل الآداب القومية ، تميل إلى أن تقصر نفسها على المشكلات الخارجية ، كالمصادر و التأثيرات ، أو الشهرة و السمعة ، بعيدا عن العمل الأدبي ككل معقد )) .

         و رأى أنه من الحتمي أن يتداخل الأدب القومي مع الأدب العام ، و قال إنه يجب أن نفكر بالأدب كمجموع دون اعتبار للفروق اللغوية ، مشيدا بمظاهر الوحدة بين الآداب الغربية ( أوروبا روسيا أمريكا الشمالية و أمريكا اللاتينية ) ، و شجع على إعادة كتابة التاريخ الأدبي كترتيب ، و على مستوى فوق القوميات . لقد ركز ويليك على رفض القوميات لكنه وقع في هوة المركزية الغربية و طرح كلمة أدب بديلا للمقارنة و الأدب القومي لكن الوصول إلى نظرية للأدب يجب أن يمر حتما بالأدب القومي و الأدب المقارن و الأدب العام.

    ملاحظات رينيه إيتيامبل (المقارنة ليست عادلة) 1963م:

        كان اليساري رينيه إيتيامبل أول فرنسي وجه النقد لفكرة المركزية الفرنسية و انغلاقها ، و من ورائها المركزية الأوروبية ككل مشيرا إلى تطورات المقارنة في بولندا و أوروبا الشرقية و اليابان و بعض دول أمريكا اللاتينية ، و راح يقدم جملة من التوجيهات للدرس الأدبي المقارن في الكثير من المناسبات و من تلك التوصيات   :

    -الانسلاخ من كل شوفينية و إقليمية و الاعتراف بالقيم المتبادلة منذ ملايين السنين.

    -أشار إلى خطاب لوي أراغون (أديب فرنسي) في براغ ، حيث رآه كفيلا بأن يرد الجميع إلى المعنى المشترك لهذا الدرس ( إشتراكيين و رأسماليين ) .و استشهد بقول ماركس الذي مفاده أن الأعمال الأدبية لكل أمة ، تصبح ملكا مشتركا للأمم الأخرى .

    -حلم بتأسيس معهد متخصص يضم باحثين من سائر أقطار العالم .

    -قسم الأدب المقارن إلى اتجاهين الأول يكون فرعا من التاريخ الأدبي ، و الثاني يقبل المقارنات حتى   و إن غابت العلاقات التاريخية بين الأدبين.

    -يجب أن يهتم الأدب المقارن بالكلمات و  بعلاقاتها و تأثيرها أو تراكيبها المستعارة من الخارج ،        و أدرج العلاقات بين اللغات ضمن الأدب المقارن ، و كذا التأثير اللغوي بين المستعمر و المستعمر ،   و طالب بأسلوبية مقارنة ، و علم عروض مقارن ، و علم مقارنة الصور ، و دراسة الترجمة أي الدراسة المقارنة للترجمات.

    -دعا إلى التوفيق بين المفهومين الفرنسي و الأمريكي لأدب المقارن ، و تنبأ بشعرية مقارنة ، و طالب بالانفتاح على باقي العالم.  

        لقد هزت أزمة الأدب المقارن ثقة اليمين الفرنسي بنفسه ، و جعلت الأجيال اللاحقة من المقارنين الفرنسيين يراجعون الكثير من المسلمات و يحاولون التوفيق بين وجهتي النظر التاريخية و النقدية و نقصد هنا بيشوا و روسو و شوفرال  ، و ترك ويليك الجرح مفتوحا لأنه قلى الدراسات المقارنة و أورث الباحثين بعده عبء كتابة الفصول المتبقية . ثم ما الذي يجعل الغربيين يتجاهلون الاتجاه الاشتراكي و أفكار جيرمونسكي و المدرسة الروسية التي كانت تمثل صوتا ثالثا لم يسمعوه ؟ و تلك أزمة الأدب المقارن التي ستبقى مفتوحة منذ سبعين عاما أو يزيد .

    نهاية الدرس

     

     

     

     


  • تطورات الأدب المقارن المعاصرة

  • Topic 3

  • Topic 4

  • Topic 5

  • Topic 6

  • Topic 7

  • Topic 8

  • Topic 9

  • Topic 10

  • Topic 11

  • Topic 12

  • Topic 13

  • Topic 14

  • Topic 15

  • Topic 16

  • Topic 17

  • Topic 18

  • Topic 19

  • Topic 20