النظرية البُنوية
قبل أن نعرض لأفكار دي سوسير، أود أن أشير ارتياب المنظرين، من محاضرات في اللسانيات العربية التي جمعها ألبرت سيشهاي، وشارل بالي، ولذا حين البحث فإننا عثرنا على كتاب لويك دوبيكر: فهم فرديناند دي سوسير وَفق مخطوطاته، مفاهيم فكرية نفي تطور اللسانيات، والذي يشير إلى كثير من مغالطات المحاضرات التي لم تنقل مباشرة من المخطوطات، وإليك ملاحظة الكاتب قبل أن نعرض لمبادئ دي سوسير البنيوية: «والجذير بالذكر أن بالي وسيشهاي، لم يطلّعا على كل المدونات التي أخذها طلّاب دي سوسير، كما أنهما لم ينشرا كل المدونات التي كانت بين أيديهما، بل اكتفيا بالاحتفاظ بالأفكار التي اعتقدا أنها أهم ما يوجد في هذه المدونات»[1]
مبادئ دي سوسير:
اللسان واللغة والعلاقة بينهما، لا يمكن دراسة اللغة من دون أن يستند الباحث إلى دراسة الألسنة، فهذه الأخيرة هي الشيء الملموس الذي يمكن من خلاله الوصول إلى ظاهر اللغة.
تغيّر الألسنة عبر الزمن، وهو ما يجعل للّسان تاريخا، ولكن لدراسة تطور لسان ما عبر الزمن، يجب دراسة حالات هذا اللسان، أي أخذ اللسان في نقاط معينة من الزمن ودراسته، وهنا تظهر فكرتي التزامن والتعاقب.
اللّسان نظام يتكون فيه معنى كلمة ما من خلال علاقاتها بالكلمات الأخرى الموجودة ضمن هذا النظام.
مفهوم القيمة، فكل عنصر من عناصر اللسان يتخذ قيمته من خلال أمرين أساسيين، هما طبيعة علاقته بعناصر اللسان الأخرى، وقوة تداوله وتواتر استعماله.
الدّال والمدلول: العنصران اللذان يكونان الإشارة اللغوية ويحدّانها، بغضّ النظر عن أي أمور أخرى غير لسانية.
اعتباطية الإشارة اللغوية، أي غياب العلاقة العضوية والمباشرة بين مكوني الإشارة اللغوية، الدّال والمدلول.
البعد الاجتماعي للّسان، وهذا مفهوم لم يوضّح بما فيه الكفاية في المحاضرات. (في محاضرات في اللسانيات العامة)
السيميائية، وهي علم يرى سوسير أنه يقع في أساس كل العلوم، الأمر الذي يجعلُ من هذا العالِم أب علم السيميائية، وليس علم اللسانيات، كما كنّا نعتقد.
الأفكار الخاطئة في المحاضرات:
اللسان كيان منعزل عن العالم، تتم دراسته بحد ذاته ومن أجل ذاته، ولكن مخطوطات دي سوسير أظهرت أن اللسان يتوافق مع الفكر، وبالتالي، فإن للسانيات علاقة بعلم النفس، وغيره من العلوم.
لم يدرك سوسير الفونيم على أنه أصغر عنصر مميز يحمل فارقا بالمعنى، إلاَّ أن سوسير يذكر في مخطوطاته أن لا قيمة لصوت ما إلا بتقابله بالأصوات الأخرى التي تنتمي إلى نظام الأصوات نفسه.
أهمل سوسير البعد الاجتماعي للّسان، لكنّه كتب في المخطوطات التي يكشف عنها لويك دوبيكير أن لا وجود للسان خارج المجتمع.
[1] لويك دوبيكير، فهم فرديناند دي سوسير وَفق مخطوطاته، مفاهيم فكرية نفي تطور اللسانيات، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ص 9