المدرسة الوظيفية
لا يمكننا الانتقال إلى تحديد مفاهيم النظرية و/أو المدرسة الوظيفية بكل فروعها، إن في اللسانيات، أو النقد الأدبي إلا من خلال محاولة تقديم مساءلة معرفية لبنيوية دي سوسير، كذلك للبنيوية في النقد الأدبي، على اعتبار سير اللسانيات والنقد في خطين متوازيين، انتهيا إلى الالتقاء عند النص الأدبي فيما يسمى النقد اللساني، ولسانيات النص، ثم التداولية فيما بعد، بل إننا سنجد ما يسمى اللسانيات المعرفية من جهة، ومقابله علم السرد المعرفي، وإننا لا نتحدث البتة بطريقة الذي ينظر من فوق، على اعتبار أن البنيوية قد جاءت وانتقدت وبانت كل معايبها، ولكننا سنتحدث من منظور اللسانيين والنقاد الذين أتوا بعد دي سوسير بزمن وجيز جدا ، نلاحظ مباشرة أن جاكبسون وهو من أعلام اللسانيات الوظيفية، وعلى الرغم من تبنيه لبنيوية دي سوسير في حلقة موسكو التي أسسسها حوالي 1917م، إلا أنّه انفتح كثيرا على ما يسمى الشعرية، والوظائف اللغوية التي تؤدّي إلى النص كوحدة لاحقة أكبر من الجملة، أو الخطاب إذا استحضرنا الاختلاف بين هذين المصطلحين.
انطلق الوظيفيون من أفكار دي سوسير، اللغة شكل وليست مادة وخاصة في حلقة موسكو، دي سوسير يؤمن بالرمزية، بالعلامات، والسيميااء، ثم العلاقات الاستبادلية والتركيبية، ومنه أتوا بما يسمى التقطيع والاستبدال في كل الوحدات المكونة للجملة، صوت، صرف، تركيب، دلالة، وليس فقط في التركيب.
جاءت الوظيفية بالارتكاز على أفكار دي سوسير، لكنها لم ترفض المنهج التاريخي في دراسة الأصوات بالخصوص، على اعتبار التطور الذي يحدث في الأصوات، وأطلقت مصطلحات من مثل: الصوتيات التزامنية، أي التاريخية، وبعد اهتمت بالمصطلح المركز فيها، وهو الوظيفة، أي وظيفة اللغة، وذكر الوظيفيون أن اللغة نظام، ولكن هذا النظام يستند إلى شيء من التاريخية مثلا، ثم ذكروا أن اللغة تحمل وظائف، ووظائف اللغة تتعلق بمستوياتها، ومن ثم وظيفة الصوت، ووظيفة الكلمة، ووظيفة التركيب، ولقد انطلق الوظيفيون من الكلام الخام، المكتوب في مدوناتهم.
إذا حاولنا المزج بين النقد واللسانيات، فإننا سنجد اهتمام الوظيفيين بجمالية اللغة، وهي الوظيفة الأولى التي يأتي من أجلها الأدب، وتستعمل اللغة، ومنه أتى جاكبسون بالشعرية، وأدبية الأدب، وأتت الشكلانية الروسية، وكذا البنيوية التكوينية
المنظور الوظيفي للجملة: الصوتيات الوظيفية، الفونيم أصغر وحدة تحمل دلالة، المورفيم هو الكلمة، الألوفون، أو الوجه لدى العرب هو الصوت الذي يؤدّى على وجهين، يوجد هناك مورفيمان أحدهما حرّ والآخر مقيد، فأما الحر فالذي يكون دلالة لوحده، وأما المقيد فالذي يشكل دلالة بضرورة ارتباطه بآخر حر: أَنُلْزِمُكُمُوهَا.
مفهوم الإفادة لدى الوظيفيين موجود في التراث في التركيب والكلام، والجملة.
سمّى الوظيفيون دراستهم للأصوات بالفونولوجيا، وهو علم الأصوات الوظيفي، لتمييزه عن الصوتيات، الفونيتيك.
أهم وظيفة قال بها الوظيفيون هي الوظيفة التبليغية.
الوظيفة في الصوت، والمورفيمات الحرة والمقيدة في الكلمة، والإفادة في التركيب كما لدى القدامى، ثم المستوى الشعري أي النظمي
أعاد الوظيفيون إحياء المنهج
المقارن، ليس لأجل المقارنة بين اللغات، لمعرفة الأصل المشترك، ذلك أن الوظيفية
اهتمت بمحاولة معرفة اللغات السلافية، التي هي من الفصيلة الهندوأوروبية، ثم
محاولة معرفة القوانين العامة التي تحكم كل اللغات، حتى تلكم التي لا تنتمي إلى
أصل واحد، ثم معرفة مسار التطور المشترك الذي يحصل في اللغات المتباينة،
ومن ثم النزعات الجديدة في ذلكم التطور، لقد وُصف المنهج المقارن التقليدي
بالعقيم (اللسانيات التاريخية المقارَنة)، نظرا لأنه لم يصل إلى ما كان مسطَّرا،
نذكر ههنا أن الأكاديمية الفرنسية للّغات في هذا الشأن كانت قد قررت التخلي عن
البحث في أصل اللغات لسبب اتساع الأمر، وعد الوصول إلى نتيجة ملموسة.
لقد ظهرت اللسانيات التَّقابلية[1] الجديدة مع تروبتسكوي الذي كان عارفا جدا باللغات الأوروبية.
ميز الوظيفيون بين من خلال مفهوم الوظيفة بين ما يحتويه اللسان، وبين الجانب الانفعالي فيه، الذي يتجسد حين التواصل.
اعتمد الوظيفيون مبادئ دي سوسير، لكنهم حاولوا رد الاعتبار لما يسمى التطور التاريخي للأصوات على اعتبار اشتغالهم المكثف على الأصوات، لكن من الناحية البنيوية، ذلك أن هذا التطور لا يحصل بمعزل عن النظام الذي ينتمي إليه، سنجد أمثلة كثيرة حينما نحاول البحث في العربية ولهجاتها، انظر نطق بعض المناطق للياء، على أنها قاف مصرية، وانظر كذلك نطق الضاد أو الظاء طاء.
آمن الوظيفيون بالشكل قبسا من لدن دي سوسير، خلاف المادة، وسببه علم علامات سوسير الذي افترض مجيئه، ومن ثم نسب إليه علم اللسان، على اعتبار اللغة/ اللسان أهم نظام سيميائي داخله.
أعاد الوظيفيون إحياء الدراسة التاريخية، بطريقة بنيوية، ذلك أنهم يعودون لدراسة المراحل التاريخية التي تمر بها اللغة، داخل النظان نفسه، والمرحلة المحددة سلفا، لسبب أن الاختلاف الموجود بين النظام نفسه في المراحل المتعاقبة، وأن سمات النظام الداخلية في مرحلة ما ليست هي نفسها في المرحلة التي تلي، أو تسبق.
التقطيع والاستبدال: commutation/segmentation
يقصد به تقطيع التراكيب اللغوية واستبدالها بأخرى، والنظر في استقامة الجملة من عدمه
المنظور الوظيفي للجملة: ماتيسيوس، وهو قائم على وظيفة الصوت، والذي اقترح له علم خاص سماه الوظيفيون بعلم وظائف الأصوات/ الفونولوجيا phonologie، والكلمة التي هي مورفيمات حرة ومقيدة، ومنه تحدّث الوظيفيون أيضا عن مفهوم الألوفون (تروبتسكوي) ومقابله الوجه في التراث اللغوي العربي، سنجد في المعاجم اللغوية ما يدلّ على ذلك: جاء في اللّسان لابن منظور: إن عَكَلَ لغة في عَقَلَ، وقال به تروبتسكوي تحت عبارة إذا أدّى صوتٌ وظيفة صوت آخر فهما وجهان اختياريان لصوت واحد (r و R في الفرنسية) أو اللاّم المفخّمة في العربية والمرققة ومثلها في الإنجليزية dark و light أي مظلمة وناصعة.
في التراث اللغوي العربي سنجد أن كثيرا من هذا حاضر في المعاجم اللغوية العربية، وأكثر من تطرق لهذا ابن فارس في مقاييس اللغة الذي قام على فكرة الأصل، انظر الأمثلة التالية: خضم لأكل الرّطب، وقضم لأكل اليابس، ثم في القرآن الكريم هُزِّي إليك بجذع النخلة، وإنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزّهم أزّا، والهز لغير ذي البال، والأزّ عكسه، وهو أقوى.
مثل: الجذر اللغوي قطع: أصله ثنائي كما قال ابن فارس، وهو قط، والعين لتخصيص الدلالة، ثم مقابله قطف، والفاء للتخصيص، وقطب، والباء كذلك للتخصيص.
يقوم التحليل الفونولوجي لدى الوظيفيين على اعتبار الخصائص الصوتية وسيلة للوصول إلى غاية الوظيفة التي يحققها الصوت اللغوي، والتي قال بها سوسير قبلهم وهي التبليغ، ومنه لا يهتم الوظيفيون بالخاصية المادية للصوت مثلما في الفونيتيك إنما بالصفات المميِّزة، ويقوم مفهوم التقابل الفونولوجي لديهم على وجود سمات مختلفة بين صوتين، ومنه قولهم: إنّ شيئين لا يمكن أن يفترقا إلاَّ في حدود أن كلاًّ منهما يقابل الآخر.
[1] تقابل اللسانيات التقابلية بين لغتين أو أكثر، لا تنتميان إلى فصيلة لغوية واحدة كالعربية والانجليزية، عكس المنهج المقارَن الذي يقارِن بين لغتين أو أكثر يُفترض أنهها تنتمي إلى فصيلة لغوية أو أسرة لغوية واحدة، وفكرة المقارَنة هذه إنما هي فكرة تحوم الشكوك حولها لسبب منطق الافتراض التي تقوم عليه، ومن ثم التشابهات بين اللغات، ينظر في هذا الصدد كتاب لغات الفردوس آريون وساميون، ومنطق تحييد العبرية من أن تكون أصلا، واستبدالها بالسنسكريتية، ثم انظر فكرة التصنيف الوراثي للغات التي قال بها كلود حجاج في كتابه بنية الألسن، والتي هي مخالفة تماما عما يقول به المنهج المقارَن.