الأفعال الثلاثة لـ "غاستون باشلار"

الشكل رقم 1: "غاستون باشلار"

تستوجب منهجية البحث العلمي السوسيولوجي بهدف الاقتراب من الموضوعية، والوصول إلى استنتاجات منطقية الحاجة لتحكم في إطار التحليل المتعلق بطبيعة الدراسة النظرية، من خلال تدقيق الإطار التحليلي الذي يسمح بالفهم الصحيح للمسار الفهمي المقترح لدراسة، ضمن التفاعلات بين متغيراتها، ودلالاتها التي تتولد في الظاهرة، هذه الأخيرة التي لن يكون لها وجود خارج هذا التفاعل، وتفرض نفسها ضمن تعقد، ووضوح ضئيل للفهم، هذا الشكل الذي تتواجد فيه الظاهرة يتجلى بوضوح في أساس كل عمل، وممارسة سوسيولوجية جادة تبحث عن كشف جوانب التعقيد في هذه الظاهرة، واعطائها الفهم الضروري لاستيعابها، وهو الدافع المطلق لأي بحث سوسيولوجي، وليس فقط الدافع المادي، أو الرمزي للبحث مما يتولد عن هذا الدافع المطلق جملة من الإكراهات العلمية، والمنهجية التي يفرضها مجال، أو حقل البحث السوسيولوجي الذي لا يجعل الظاهرة المدروسة تنحصر في جزئها المنهجي المتمثل في الوفاء بإجراءاتها المنهجية المتعارف عنها للباحثين في مجال البحث السوسيولوجي، بل أن يتعداها لمحاولة إثبات الذات العلمية كعضو فاعل في ميدان البحث السوسيولوجي الذي يبحث عن الغايات، والأهداف الموضوعية الاجتماعية، بمعنى المساهمة في الديناميكية العلمية، والدخول فيها بواقعية علمية.

فبالنسبة لعلم الاجتماع الانتقال من فعل الفرد إلى فعل الجماعة داخل نفس المسعى التفسيري للظاهرة التنظيمية، ومحاولة الوصول إلى الثقة المنهجية أثناء التفسير يصطدم بتعقد الظاهرة الاجتماعية من ناحية، بسبب تعقد أفعال الفاعلين المشكلين للظاهرة، وغياب الإطار النظري المنهجي الذي يوجه هذا البحث، ويحدد مساره النظري ومن ثم المنهجي من ناحية أخرى. وفي معنى هذا الكلام

يقول "غاستون باشلار" الواقعة العلمية تغزي، تبنى، وتعاين، أما معنى ذلك:

- تغزى: بالتخلص من الأحكام المسبقة.

- تبنى: بالعقل.

- تعاين: في الواقع.

يعني أن هذه العملية - عملية البحث السوسيولوجي- أساسها ثلاث أفعال يجب إحترام تسلسلها، ويسمي "بيار بورديو" هذه العملية بتراتب الأفعال المعرفية -الابستمولوجية- وهي: القطيعة، البناء، والمعاينة. وتمثل الأفعال الثلاثة لـ "غاستون باشلار".

  1. القطيعة: يجب الإنتباه إلى أن المعرفة السوسيولوجية لا تخلو من خلفيات إيديولوجية، أحكام مسبقة، كما أن الباحث الذي لا يستطيع التقيد بالموضوعية يقع في أوهام الذاتية، مما يؤثر على عملية البناء لذلك وجب القطع عن الأحكام المسبقة، والبديهيات الخاطئة، إذا فعل القطع هو الفعل التكويني الأول للباحث.

    - يرى "كارل ماركس" في القطيعة التخلص من الإيديولوجيا.

    - أما "ريمون بودون' فاعتبرها التخلص من الأفكار المسبقة.

    - بينما "إميل دوركايم" فوضحها في القواعد المنهجية باعتبار الظاهرة الاجتماعية كشيء.

    - أما "بيار بورديو" فقد ميز بين نوعين من الرأسمال العلمي: الرأسمال العلمي الصافي الذي يقدم ويكتسب من خلال المساهمات في العمل وتقدمه، والرأسمال العلمي المؤسساتي الذي يكتسب بالاستراتيجيات السياسية، والاقتصادية، والبيروقراطية، حيث يرى أن المجال العلمي يكون أكثر إستقلالية كلما كان الصعود فيه يتم على أساس الرأسمال الصافي، وليس الرأسمال البيروقراطي، أو الاقتصادي، أو السياسي فأصحاب هذا الرأسمال الأخير ليسوا بالضرورة هم الأفضل بالمعايير العلمية.

  2. البناء: لا يتم تحقيق القطيعة إلا بالبناء، بالرجوع إلى تهيئة أساس له من منطلقات النظرية السوسيولوجية، ونسقها المفاهيمي وبما أن الموضوع السوسيولوجي يبنى فإن فعل البناء هو الإطار النظري المرجعي المكون بطريقة مفهومة.

  3. المعاينة: التصور الواقعي لموضوع البحث يجب أن يصل إلى الإثبات بالمعلومات من الواقع الملموس، وبالتالي فعل المعاينة هو الفعل الثابت لمسار البحث.