البحث اللغوي/ المنهج/ المنهاج
ونحن نتحدث عن البحث اللغوي، وعن أهميته، جدير بالذكر أن نطرق إلى أهمية اللغة[1]، والعربية بالخصوص، ومن ثم محاولة الوصول إلى علمية العربية، وعالميتها[2]، من حيث المعجم والاصطلاح. ليس من حيث الجانب الديني الذي كان أول سبب لظهور الدراسات اللغوية في التراث اللغوي العربي، ولكن من حيث مركز العربية في التاريخ المعاصر، داخل حقل علوم التقانة والمعارف الإنسانية.
أما البحث(كلمةً) فمتعدد متنوع، ويظهر ذلك بعد تعريفه الاصطلاحي الذي مفاده أنه إجراء علمي، يتم وفق طرائق علمية متعددة، ويستند إلى مناهج، ومنهجيات متعددة، ووسائل وتقنيات تتباين بحسب ما نذكره لاحقا، ويتم من خلال ذلكم التوسل بمقدمات، ومعارف مسبقة، وخلفيات معرفية، ومن ثم أهداف يرجى الوصول إليها وتحقيقها، وهذا تعريف شامل عام، حتى إذا أتينا إلى التخصيص ذكرنا أن من البحوث ما هو نظري، وما هو تطبيقي إجرائي، وبداءة، سيظهر للعيان، أن كل ما هو نظري ينتسب إلى فرع العلوم الإنسانية، وأن نظيره التطبيقي متعلق حتما بالعلوم التجريبية، وهذا صحيح نسبيا، غير أن من البحوث الانسانية ما يكون إجرائا تطبيقيا، خصوصا في زمن تكامل المعارف هذا، ما يسمى بحثا لغويا، مركب مزجي يفكك إلى اسمين اثنين، احدهما متداول في القرآن الكريم بمعناه الحسي، قال تعالى، فبعث الله غرابا يبحث في الارض، ليريه كيف يواري، سوءة أخيه، ومنه البحث حسيا مقرون بالتراب في المعجمات التراثية، منها العين للخليل، واللسان لابن منظور، وغيرها كثير، ولذا، فقد سميت المنهجية لدى بعض الكتبة بعلم المناهج، أي هي العلم الذي يهتم بشرح مناهج العلم، وتبسيطها، وتقنينها، وتوثيقها، ما دون ذلك من الاختلاف، بين المنهج، والمنهاج، والمنهجية، وما هو قرين جذرها اللغوي، شرحه خفيف ظريف طفيف، قد يعلمه كل ممعن للنظر لسبب أنه لا يختلف اختلافا بينا بارزا، تحده حدود فاصلة واضحة المعلم. فابمنهاج ما ذكر سالفا، ما يتخذ للسير في طريق معنوي كان أم مادي، مجردا أم محسوسا، وأما المنهجية، فهي مصطلح مبتكر مستحدث من العلم الحديث، والأصح أن نذكر من ترجمات العلوم من الثقافة الغربية، حالها في ذلك حالالمصطلحية، علم المصطلح، والمعجمية، علم المعجمية، وعي في ذلك إنما تحمل جوانب نظرية وأخرى سنصطلح عليه بشبه التطبيقية، حكما لأنها تهتم بمناهج العلوم والبحوث وما تنتجه. وأما المنهج، فهو أخص منها، مقرون بها، ذلك أنه جزء لا يتجزأ منها، وهو مجموع الوسائل والآليات، والتقنيات، التي يعتد بها الباحث، لحل مشكلة ما، وإنما تختلف هذه اىتقنيات باختلاف موقعها داخل الهلوم، ذلك أن من العلوم ما هو نظري، وما هو تجريبي، الحق إننا سنرى شيئا من التشابه في التقنيات بين العلوم المختلفة، منها الوصف، والتحليل، والتجريب، وغير ذلك كثير، لا لشيء إلا لأننا في زمن تكامل المعرفة وتداخل العلوم إنسانية كانت أو تجريبية، لتفهم هذا انظر، مجالات اللسانيات الطبية، اللسانيات ابحاسوبية، القانونية، النفسية، الاجتماعية، ومنه، إذا قلنا بالتداخل ههنا محتم وضروري جدا أن نقول به هناك في جانب المناهج، لأن هذا شيء من التراتبية المعرفية، ومنطق العلوم. فكاكه آية قرآنية كريمة' قال تعالى: لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، تعود بنا الآية الكريمة إلى إشكالية وجود الترادف من عدهم، والحق إنا نرجح الأخير، لسبب سعة العربية في المعاني، ولسبب اختصاصها الدقيق، قال ابن درستويه، الشرعة لأول الطريق، وهي من شرع يشرع شروعا أي ابتدأ، أما اىمنهاج فلكل الطريق، ولذلك نجد النهج مشروحا بالسبيل كاملة، والطريق، وغير ذلك مما يقترب منهما، المجاز والاصطلاح نقل اللفظ من معنى لآهر لوجود مشابهة بينهما، تأخذنا المشابهة ههنا إلى القول بانتقال الدلالة الأولى أو بالأحرى شيء منها إلى المعنى الكلمة الثانية، او المصطلح، لسبب أننا غير ملزمين بخلق جذور متعددة إلا إذا لزم الأمر وتحتم، طبعا لا يمكننا أبدا أن نلوي عنق دلالة ما ونسقطها على تصور جديد، إن ذلك طبعا سيتطلبا مولدا جديدا حسب العلماء، وهذا المولد إنما يكون بمفهومه الإيجابي، الذي يقتضي أن تسير الحضارة على مستويين أحدهما مادي تمثله المخترعات، والآخر معنوي، خاص بالتسميات
[1] تمثّل اللغة حجر الزاوية لكل العلوم، ولعلوم الآلة العربية خصوصا، وللعلوم المقصودة الدينية بالأخص، والسبب واضح جلي في الحضارات التي ارتبطت بأي نص ديني، الفيدا، التوراة، الكتب المقدس، القرآن الكريم في العربية، ستجد إن بحثت أن أية نظرية لغوية إنما ترتبط بتعريفه الخاص للغة، ابن جني في العربة، دي سوسير، تشومسكي، أو تشتغل عليها إجرائيا إن هي أغفلت تعريفاتها النظرية المتخصصة.
[2] يُقصد بعلمية العربية، وعالميتها، سيرها نحو صناعة المعرفة إن إنسانية، أو تقنية، ومن ثم صناعة المصطلحات العلمية مثلما كان حاضرا في التراث اللغوي العربي في علوم الفلك، والطب، والرياضيات، والهندسة وغيرها، والحق إن هذا أمر غير متاح، إلا بتحقق شرط ربط حاضر اللغة بماضيها من حيث أنهما تحت سيطرة بيئة واحدة (نلاحظ هذا الأمر في اللسانيات الأنتروبولوجية) والأمر نفسه مع المنهج، لضرورة أن يكون المنهج من البيئة نفسها لا مسلطا عليها من خارجها، ويبدو أن اقتراض كل من المنهج، والنظرية، إنما يؤدي تلقائيا إلى اقتراض الجهاز الاصطلاحي، طبعا استنادا إلى الحقيقة التي تقول إن المصطلحات التراثية قاصرة عن استيعاب المفاهيم الحديثة، لسبب أننا في غنى عن زوايا هذا الثالوث المعرفي، من خلال بسط شيء من التحديث على مواد التراث المعرفي.