السياق والتحليل الدلالي
أهمية السياق في التحليل الدلالي:
لا شك في أن تحديد مفهوم دقيق يستوفي أبعاد السياق أمر صعب، بيد أن ضبط محاله وتوضيح وبيان أهميته العظيمة في تحديد معنى العلامة اللغوية يزيل بعض الغموض، إذ علينا أن نركز على النقطة الأساسية وهي أن السياق دورا كبيرا في التحليل الدلالي لأهميته في تعيين قيمة الكلمة، ففي كل مرة تستعمل فيها الكلمة تكتسب معنى محددا مؤقتا. ويفرض السياق قيمة واحدة على الكلمة هي المعنى الذي تدل عليه في سياق معين دون آخر[1]. ثم إن الكلمة لو اقتلعت من بنيتها اللغوية والتركيب اللفظي تصبح ذات معنى معجمي، ومعلوم أن هذا النوع من المعنى متعدد. لذا، يؤكد أصحاب هذه النظرية أنه لا معنى العلامة اللغوية خارج سياقها والوصول إلى وظيفتها الدلالية وفهمها يتحقق فقط يوصف قيمتها بين قريناتها من جهة، وسط الظروف الخارجية التي فرضت عليها ذلك الموقع دون غيره من جهة أخرى؛ أي بأخذ قيمتها من التالي اللفظي ومن تالي العوامل المقامية، ومن ثم أهمية هذه النظرية تكمن في المساواة بين البنية اللغوية والبنية الثقافية على حد سواء إذ لا فضل لأحدهما على الآخر إنما يتحدان لأجل التحديد المعنى الدلالي.
تهتم هذه النظرية "بالسياق اهتماما كبيرا، ويبدو ذلك واضحا من خلال اسمها، وقد بين فيرث حدود هذا الاهتمام عندما أشار إلى أنه من الممكن أن يوصف منهاجه في الدراسة السياقية بأنه "المحقق سياني متسلسل" أي أنه سياق مندرج في سياق وكل من هذه السياقات يؤدي وظيفة عضو في السياق الأكبر، وجميع السياقات نجد لها موضعا في ما سماء "بسياق الثقافة Context of culture "[2]، بالتالي، فمفهوم السياق الدلالي لا يعني التالي اللفظي أو تتالي الظروف الخارجية فحسب، بل هو تتالي سياتي وتركيب مالي منتظم للوصول إلى فهم أعمق اللبنية اللغوية الثقافية الكلية.
[1] على زوين، منهج البحث اللغوي بين التراث وعلم اللغة الحديث، ص 94.
[2] محمد محمد يونس، المعنى وظلال المعنى، ص 123.