أثناء الاستعمار الفرنسي
هذا وقد تعرضت الجزائر إلى احتلال لمدة 130 سنة ، من قبل الاستعمار الفرنسي الذي اعتبره المؤرخون استعمارا إمبرياليا اتصف بالوحشية وعرض شعبا بكامله للتقتيل والتشريد والجهل ومختلف الأمراض الفتاكة، وعد أخطر استعمار عرفه التاريخ الحديث. فقد أظهر التاريخ عبر مختلف الحضارات ، مدى تدمير الاستعمار للمجتمعات وطمس مقوماتها على مختلف المستويات ، وفي هذا الصدد يعتبرها مالك بن نبي من معوقات الحراك الاجتماعي فهو كطوفان يخرب كل من شأنه يعترض طريقه. عالج الكثير من المؤرخين الفرنسيين لهذه الحقبة التاريخية مبرزين البنية الاجتماعية للمجتمع الجزائري في فترة الاستعمار والتي عرفت تفكيك ممنهج للسلم الاجتماعي ومحاولة القضاء على بعض الفئات واستغلال فئات أخرى لصالحها. ومن بين المؤرخين الذين حددوا الفئات التي كانت موجودة في بداية الفترة الإستعمار الفرنسي، وصنفها حسب تراتبية اجتماعية وجغرافية. جول دوفال Duval Jules بداية تطرق إلى القبائليين كفئة السكان الأصلية المتواجدة في الجبال والهضاب الجزائرية وحتى أعالي الصحراء وتميزت هذه الفئة بمواجهتها لكل جائر حاول استيطان شمال إفريقيا عبر الحضارات المختلفة وهم السكان الأصليين. كانوا يعرفون بعملهم الفلاحة وانشائهم لقرى ومداشر المناطق الجبلية الوعرة ثم انتقلوا إلى مجال التصنيع واحترفوا كل من مهنة الحداد، صانع النقود، والأسلحة.
ويشير جول دوفال عن استغلال الأيدي العاملة القبائلية من طرف فرنسا في جلبها لجني الأراضي لقد أظهر التاريخ عبر مختلف الحضارات ، مدى تدمير الاستعمار للمجتمعات وطمس مقوماتها على مختلف المستويات.
وفي هذا الصدد يعتبرها مالك بن نبي من معوقات الحراك الاجتماعي فهو كطوفان يخرب كل من شأنه يعترض طريقه. عالج الكثير من المؤرخين الفرنسيين لهذه الحقبة التاريخية مبرزين البنية الاجتماعية للمجتمع الجزائري في فترة الاستعمار والتي عرفت تفكيك ممنهج للسلم الاجتماعي ومحاولة القضاء على بعض الفئات واستغلال فئات أخرى لصالحها.
فبوصول الفرنسيين إلى الجزائر، أدى الوجود الاستعماري إلى اختلال في بنية المجتمع الجزائري بعد إدخال ه تغييـرات عليها قصد جعل المجتمع أكثر انسجاما مع الحداثة ومتطلبات العصر حيث أثرت التحولات السياسية في المجتمع الجزائري تأثيرا كبيرا إذ حاولت تحويله من مجتمع القبيلة والدولة التقليدية إلى مجتمع الدولة الحديث، هذا وشهدت المنظومة القيمية والدينية والأخلاقية والجمالية... تحولات انعكست على المفاهيم وسلم القيم والمعـايير التـي حكمت العلاقات الاجتماعية.
ففرنسا عندما تمكنت من بسط سيطرتها على ربوع الجزائر طبقت مشروعها المتمثل في نظام شامل اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا ودينيا، أي استبدال لغة بلغة، وثقافة بثقافة، ودين بدين، ولم يقتصر الاحتلال على الجانب السياسي والعسكري فقط، بل شمل كل جوانب الحياة الاجتماعية لكي يتسنى لها تحويل الجزائر إلى بلد تابع لفرنسا سياسيا وعسكريا وحضاريا. ففي مجال التعليم كان الأمر مقتصرا على أبناء الأعيان ألن الذين استفادوا من هذه السياسة هم أبناء الإقطاعية المرتزقة التي خلقها الفرنسيون. لأن نسبة المتعلمين من أبناء الجزائر لم تكن تمثل شيئا، وما يدل على هذا قول أحد الموظفين الفرنسيين الكبار "أوجين فورمسيترو" Fourmestraux Eugèneسنة 1980 :"لقد فرطنا في تعليم الأهالي حتى نزل إلى مستوى هو أدنى بكثير مما كان عليه قبل الاحتلال".
وقد عمل الاستعمار الفرنسي وسياساته الظالمة على إحداث تغييرات سوسيوثقافية وسياسية مست النسق الاجتماعي العام، وأدى هذا بالضرورة إلى التأثير على الأنساق الفرعية الأخرى ومنها الأسرة. فمن الناحية السياسية، عملت السلطات الاستعمارية على تفكيك النظام القبلي بحرمان القبائل والعشائر من مصدر رزقها وحياتها المتمثل في الأرض التي تشكل المورد الاقتصادي وأساسا للتضامن الاجتماعي، فاغتصاب الأراضي لم يكن يهدف إلى إفقار الشعب الجزائري فحسب بل يتعدى ذلك إلى تحطيم الروح الجماعية والعلاقات العائلية الإسلامية المشجعة والمدعمة بالملكية الجماعية، وهكذا حاولت الإقطاعية القضاء على قواعد وأسس موجودة ومكرسة منذ آلاف السنين وهي الوحدة وللانقسام في النظام الاجتماعي الجزائري. وهكذا يلاحظ أن قانون "وارني" الصادر في عام 1873 نص على تشكيل الملكية الفردية، وترتب على ذلك آثارا وانعكاسات خطيرة، حرمت الفالح الجزائري من العلاقات القرابية للفرد الجزائري، وبظهور الملكية الفردية انتقلت السلطة من الحكم المشائخي إلى النظام الأبوي، وعلى هذا الأساس بدأت السلطة الأبوية تتوسع في المجتمع الجزائري، كما حاولت الإيديولوجية الاستعمارية اعتبار الدوار كحقيقة كانت موجودة قبل الاستعمار، وهو بذلك نتاج تاريخي لتفويض البنية الاجتماعية، فالعائلات كانت من قبل تنضوي تحت لواء قبيلة واحدة.
هذا ويمكن أن نحدد ثلاث في المرحلة الاستعمارية فئات اجتماعية والمتمثلة في:
-الثبات الاجتماعي: فنتيجة للظروف القهرية التي مارسها الاستعمار عليها وتسلط الإقطاعية المحلية في الريف الجزائري، تعرضت إلى ثبات اجتماعي. فتشكل هجرتها إلى المدينة والخارج أشكال النضال المباشر، لذلك فهذه التبعية هي أساس الثبات الاجتماعي الذي تعرفه هذه الفئة عبر الأجيال المتعاقبة، ولم تشذ هذه الجماهير الكادحة في هذه المدينة عن هذه القاعدة والتي يعود أصلها إلى فئة "الخماسة"، فبعد حدوث الهجرة المعتبرة من الريف إلى المدينة حدثت هجرة عكسية فهذه البروليتاريا أو ما تحت البروليتاريا تتجمع حول المدينة أول الأمر "فتتحضر"، لكن هذا التحضر وحشي ولا صلة له بتحضر المدينة.
-الحراك التنازلي: لعب التشريع الفرنسي دورا حاسما في هدم المقومات الملكية الاقتصادية للقبيلة وتشكيل حراك تنازلي، خاصة بالنسبة للأهالي . فقانون " سانتوس كونسالت" عام 1863 وقانون "فارنيي" عام 1873 كان محددا للتشكيلة الاجتماعية التي أبرمتها. هذه الفترة الخماسة عرف المجتمع الجزائري تقهقر غير مسبوق لبعض الفئات، فتضرر الفلاحون بالدرجة الأولى، بفعل انتزاع ملكيتهم بقوة القانون، فقانون "كونسالت" يعترف بحق الملكية العشائرية ولكنه يحدد منطقتها ويسمح من جهة أخرى بتبني الملكية الفردية بين أعضاء "الدوار" ويؤكد على شرعية ملكية الأرض، أما قانون "فارنيي" فيزعم أن العرب يريدون تقسيم أراضيهم المشاع . تفكيك بنية المجتمع الجزائري القبلي الذي كان يعتمد على دعم الزوايا للعشائر لكن بعد فقدان الملكية العقارية وعجز الزوايا تقديم المساعدة للأهالي من خلال الصدقات والزكاة، فتم إنزال الأرستقراطية الأشراف إلى مكانة الأهالي ، مما أعادة النظر في تشكيل التراتبية الاجتماعية المجتمع الجزائري وحراكا اجتماعيا جديدا.
-الحراك الصاعد: يشهد الحراك التصاعدي صورة إيجابية عن ارتقاء بعض الفئات إلى مراتب أعلى. فإذا انصب الاهتمام على الحركات التصاعدية الأساسية فإن الفئة العسكرية الفرنسية هي التي حظيت امتيازات هائلة، وذلك راجع لتقلدهم أوسمة على "إنجازاتهم العسكرية"، وظهرت فئة هامة حصلت على امتيازات اقتصادية وسياسية معتبرة هي فئة "القياد" و" الباشاغوات " الذين استفادوا من حراك تصاعدي هام بفعل علاقتهم مع السلطة الفرنسية والعسكرية، لذلك كان الجاه والاعتبار الاجتماعي لهما بمثابة المكانة الرسمية أمام السلطات الفرنسية.
البعض يصفونه بالسمو الاجتماعي لبعض الفئات التي استغلت الأوضاع الفرنسية الاستعمارية والتحقت المدرسة الفرنسية ثم أصبحوا موظفون ابدرها، ومنهم من استطاع الانخراط بالتجارة والصناعة لينضم إلى البرجوازية الجديدة وهو نظام جديد عرفته هذه الفئة للالتقاء والصعود اجتماعيا في ظل الحكم الفرنسي. عرف الأهالي بعد الحرب العالمية الأولى أزمة حقيقية للكثير مهم، لكن بالمقابل عرفت البرجوازية تزايد بثراء ها مثل التجار، بفعل المضاربة والقوانين العقارية، فأطلق عليها البرجوازية العقارية المهيمنة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وعقائدي، وكانت تستعمل وسائل عديدة لضمان استمرارية سيطرتها بالمجتمع كالصحف والجهاز التعليمي.
شكل التعليم بالجزائر في فترة الاستعمار الانطلاقة الاجتماعية بين أبناء الطبقة البرجوازية والمعمرين والسكان الأصليين الجزائريين، حيث كان المعلمون من السكان الأصليين يعانون من حراك تنازلي بسبب التمايز الاجتماعي، وهذا ما جعل وظيفة التعليم التمييز بين مختلف الفئات، بين السكان والقادة، بين الجماهير والطليعة، وعلى هذا الأساس لا يبدوا الحراك الاجتماعي واضحا.