حلقة موسكو
المحاضرة الثالثة: حلقة موسكو
يبدو بداية؛ أنَّ كثيرا من الذين انتسبوا إلى المدرسة الروسية اللسانية (حلقة موسكو) كانوا تحت لواء الشكلانية[1] الروسية[2]، ومن ثم انتقلوا إلى جانب اللسانيات، انظر مثلا جاكبسون الذي انتقل من الشكلانية إلى البنيوية من حيث المبادئ، ومن ثم إلى الوظيفية (حلقة براغ) التي اشتهر فيها.
أكثر ما يرد في هذا المجال من أعلام هو رومان جاكبسون (1896/ 1982)، ثمَّ ثلّة أخرى من الذين اشتهروا في الأدب والفلكلور وغيرهما، ومن ذلك فلاديمير بروب Vladimir prop وبوريس توماشيفسكي Boris Timachevsk، والشاعر الروسي الكبير فلاديمير ماياكوفسكي (1884/ 1955).
تمثّل حلقة موسكو استنادا لعلاقتها المعرفية الوطيدة بالشكلانية الروسية، انتقالا جذريا من الاهتمام باللغات والأدب السلافي القديم حُكماً إلى ما قام في المدرسة التاريخية السلافية من اهتمامات باللغات والآداب القديمة، والتي كانت تمثل أشهر مدرسة في أوروبا الشرقية[3]، والتي كان جاكبسون من أعلامها، كمقابل للمدرسة التاريخية الغربية التي اشتهر فيها علماء كثيرون من مثل فرانز بوب، وماكس مولر، وصولا إلى دي سوسير الذي قال في مخطوطاته (لقد صرت لا أقرأ إلاَّ لهؤلاء) والتي كان شغلها الشاغل إعادة بناء الهندوأوروبية.
في الأدب اهتمَّ منظرو الشكلانية وبعدهم حلقة موسكو بالانتقال من المناهج السياقية في الاهتمام بالنصوص (التاريخي والاجتماعي والنفسي) إلى اعتبار الأدب شكلا مستقلا من أشكال التعبير[4]، وهو نفسه ما ستجده عند جاكبسون تحت اصطلاح الأدبية، الظاهر أن الأمر يسير في خطّ يوازي مسار البنيوية اللسانية أو الأدبية، ذلك أن ما قاله البنيويون الوصفيون.
[1] مثل البنيوية تماما، ظهرت الشكلانية ثورة على المناهج التاريخية، والنفسية، والاجتماعية، واعتبرت الأدب شكلا مستقلا من أشكال التعبير. في دعوة إلى استقلالية الأدب عن السياقات الخارجية، ومن ثم برز جاكبسون أحد أشهر الشكلانيين، وسطّر للأدب مبادئ من قبل الأدبية التي تسحب الأدب مما يعلق به من الدوافع الذاتية والسياقات الخارجية، سعيد علوش، معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط 1، 1985، ص 32.
يبدو هذا تلميحا كبيرا لخصائص تلكم المرحلة، والتي عنوانها الأبرز هو البنيوية، ذلك أنّا سنجد فيما بعد جاكوبسون بنيويا وظيفيا، رغم كثيرا من النقد الذي قدّمه لسوسير في كتابه الاتجاهات الأساسية في علم اللغة.
[2] يؤكّد هذا التاريخ الوحد لظهور النظريتين، وهو 1915م، ويبدو أنه رغم انحسار حلقة موسكو التي هي امتداد لمدرسة تاريخية عريقة جدا كان قد اشتُغل فيها على اللغات السلافية إلاَّ أنّ المبادئ اللسانية التي دعت لها، والتي كانت بنيوية أيضا قد سطّرت بالبند العريض فيما بعد في المدرسة التشيكية الوظيفية (حلقة براغ) والتي انتشرت في أوروبا عامة.
وإن قولنا بالمدرسة اللغوية التاريخية العريقة لا يعني استمرار تلكم المبادئ، ذلك أن كلا من الوظيفيين وأعلام موسكو قد مثلوا تحديدا ذلك الجدار الفاصل بين لسانيتين تاريخية وصفية، مثلما فعل دي سوسير تحديدا، مع تجاوز مفهوم الإلغاء الذي شاع في محاضرات سيشهاي وبالي.
[3] باعتراف محمد عناني في معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، كانت المدرسة الأوروبية الشرقية إن في الأدب أو اللغة منبوذة قولا واحدا، لسبب تجاهل نتاجها المعرفي، ويبدو أن الأمر شائع حتى لدى الأساتذة والطلبة، الذين اشتهرت لديهم قوة المدرسة الغربية، وتحديدا الألمانية، من المؤكد أن هذا تابع أيضا لثنائية السامي والآري التي رأيناها في لغات الفردوس لموريس أولندر، ومن ثم محاولة الانتصار إثنوغرافيا للفرع الآري الذي قوامه الحضارة والمدنية واللغة التي تمثلهما من حيث التطور.
[4] أكثر من وفّق في شرح العبارة هو محمد عناني في معجمه سابق الذكر، ذلك أنّه ابتدأ الحديث فيها (الشكل، forme مقابلا بين