السياق ن الأصوليين
الأول: عند الأصوليين
استعمل الأصوليون مصطلح السياق استعمالا واضحا في دراساتهم وأرادوا به ما يدل عليه، فمنه كانت البدايات الأولى لتدوين علم أصول الفقه على يد " محمد بن إدريس الشافعي " فأشار إليه في كتابه "الرسالة" وتطرق إلى قضية سياق النص بإشارة إلى مفهومه. ولقد رأى الأصوليين أنه لا معنى من دون سياق ولا تأويل من دون اعتبار له، تلك إحدى خلاصات تعاطي الأصوليين مع خطاب الوحي وإحدى إسهاماتهم المتمثلة بأسباب النزول والمواقف الملابسة لنصوص الحديث الشريف، أما ما ورد من نصوص صريحة في الحديث عن السياق، فيتفق على أسلوب واحد في التعبير عن وظيفة السياق في بيان المجملات وترجيح وتقرير الواضحات، وقد أكد الغزالي أن هناك الفاظا لا تُفهم بالإشارة والكلام ونحوه، وهي خمسة أضرب: دلالة الاقتضاء، ما يُؤخذ من إشارة النّص، دلالة الإنماء (فهم التعليل من إضافة الحكم إلى الوصف المناسب)، فهم غير المنطوق بدلالة سباق الكلام ومقصوده (مفهوم الموافقة)، مفهوم المخالفة. كما حدد ابن قيم الجوزية في بعض الوظائف التي يؤتيها السياق في بيان الدلالة، لكونه من أعظم القرائن الدالة ويذكر ابن تيمية أن معيار تقسيمات الأصوليين للنصوص هو مدى وضوح الدلالة أو خفاؤها، والطريقة التي تتم بها العملية في تحصيلها كونها تُفهم من ظاهر اللفظ أو من قرائن أخرى في السياق، وفي ذلك يذكر طاهر سليمان حمودة أن السياق يبدو واضحا في الدرس الأصولي عامة، فقد أدركه الأصوليون بشقيه ( اللغوي والاجتماعي)، واعتمدوا عليه في فهم النصوص والاستنباط والتصور الدقيق لعناصرها المختلفة التي تشمل الموقف الكلامي بأسره، وهم يتفقون في جوهره مع نظرية السياق الحديثة[1]
ويبدو أن الأصوليين من هذه الجهة التداولية قد استأثروا بالبحث فيما فرّط فيه كثير من النحاة، وذلك من جراء فهمهم لطرق تأليف الكلام وأوجه استعماله وإدراك مقاصده وأغراضه وما يطرأ عليه من تغيير ليؤدي معاني مختلفة.