النظرية السياقية
النظرية السياقية contextual theory:
لقد أصبح البحث عن المعنى شغل علماء اللغة، ولم يتوقف الأمر عند الحدود النظرية بل حاول الباحثون رسم مبادئ تفتح مجال التطبيق والتحليل الممنهج، كما لم يبل الاهتمام منها على نوعية العلاقة بين اللفظ والمعنى فحسب إنما تجاوزوه إلى الوظيفة الحيوية التي يؤديها المعنى داخل النظام اللغوي الثقافي العام، ولأن الكلمة حال انعزالها عن تركيبها تحمل معاني متعددة معجميا فإن الدرس الدلالي الحديث انفتح على قواعد تضبط المعنى الدلالي للكلمة من خلال إلزامها يحمل قيمة خاصة تعبر بها عن معنى واحد، عن طريق تسييقها وربطها بعالمها اللغوي والاجتماعي على حد سواء؛ ذلك أن المعنى الدلالي لم يعد يفهم كما سبق من التالي اللفظي فحسب بل فهم بوصفه تفاعلا بين النظامين الداخلي والخارجي، وأصبح يوصف من زاوية تتابع العناصر اللغوية ومن زاوية المعطيات المقامية، وهذا ما جاءت به النظرية السياقية " التي تعد أكثر التصاقا بعلم الدلالة وأدق منهجية وضبطا للأسس العلمية الموضوعية في الوصول إلى المعنى الأساسي حذفا للمعاني الهامشية التي يمكن أن تلصق بالكلمة، هذه النظرية الحديثة تبلورت أسسها على يد اللغوي البريطاني فيرث firth" لإعادة الاعتبار للشق الثاني الذي أهمله البنيويون في الدراسات اللغوية وهو الجانب الاجتماعي، وهنا يلزمنا الجذر في تحديد مفهوم المعنى الدلالي اجتماعيا الذي لا يخرج عن نطاق الوصفية.
ولئن كان البنيويون قد ركزوا على النظام الشكلي للغة بحكم الرؤية للمنهجية الخاصة، معتبرين التحليل اللغوي الذي يجري على المستويات المعروفة ملتزما بالقواعد الداخلية التي تحكمه، فإن "فيرث" قد فتح هذا النظام وربطه بالعالم الخارجي مركزا على ضرورة مراعاة الظروف عير اللغوية في العملية التحليلية، ذلك أن اللغة ليست مجرد نظام لغوي فحسب إنما هي تعبير عن الخارج الاجتماعي والثقافي، معتبرا أي كلمة أو جملة خارج هذا الإطار مجرد أصوات متتالية لا ماهية لها تكشف عن معنى احتمالي لا أساسي. لذا ما أضافه يعد قفزة جريئة لتوسيع عمال الدرس اللساني واهتمامه بالسياق الخارجي للغة أو ما يصطلح عليه بسياق المقام(Context of situation) والاهتمام بهذا الجانب أن يكون على حساب السياق اللغوي (Linguistic Context ) بل وازن بين الطرفين؛ فكما تدرس الدرس أيضا المستويات اللغوية الصوتية والمعجمية والصرفية والنحوية والدلالية وإن كان قد عبر عنها بالوظائف لأن لكل عنصر منها وظيفة حيوية.