اهمية السياق في الدرس الدلالي
يعد "السياق context" " أحد أهم مباحث علم الدلالة الحديث، يعتمد عليه في تحديد المعنى الدقيق للعلامات اللغوية والتراكيب، ذلك أن تحليل أي نسيج اللغوي يفرض الإحاطة ولو نسبيا بالمرجعيات المعرفية الثقافية خصوصا وأن اللغة نظام من العلامات اللغوية المتعارف عليها؛ أي أنه ينتج في بيئة ثقافية خاصة، إن التركيز في البداية يكون على العلامة اللغوية ما دامت تمثل القاعدة الأساسية للتراكيب والأنسجة، لذا الاهتمام منصب أكثر على وظيفتها الدلالية في مصاحبتها لغيرها من الألفاظ ورحلتها الانضمامية إلى الحقول الدلالية لتحمل معنى خاصة يعبر عن حمولة دلالية سياقية ناتجة عن ارتباط الداخل اللغوي بالخارج الاجتماعي، ولكن كان المفهوم البنيوي للتحرك القوي للمفردات يتم داخل بيت البنية اللغوية الخالصة، فإن هذا المفهوم يوجهنا أهو التحرك القوي للمفردات، إضافة لما أكدناه، خارج بيت البنية أيضا، وعلى هذا الحال يتنزل مفهوم المفردة، بعدها الأس في بناء السياق[1] ولعل توضيح "دي سوسير " لمفهوم القيمة كان له أثر بارز في بيان معنى التالي اللغوي والقيمة الدلالية لعلامات اللغوية فلا قيمة لعلامة لغوية في ذاتها إنما بارتباطها خصوصا وأنها تتبلور في محال معرفي اجتماعي تحمل فيه دلالات تتجاوز بها الحد المعجمي إلى المعنى الدلالي أو المعنى الخاص المتولد من ارتباط السياق اللغوي بالستياق الخارجي الذي بعد نهاية الدراسة الدلالية.
يدل هذا على أن " معظم الكلمات في اللغة متضمنة في سياقات خاصة معينة، ولكن ذلك لا يمنع من وجود كلمات تفتقر إلى دعم سياقي تستوقف المرء للتساؤل عن معانها المحددة[2]، والإجابة عن هذا التساؤل يفرض الإحاطة بالظروف الخارجية المحيطة بهذه الكلمات ذلك أن الكلمة تحمل معنى معجميا وأخر وظيفيا واتحادهما مما يوصل إلى المعنى الدلالي المقصود؛ فللعلامة اللغوية لا تفهم منعزلة عن السياق؛ حيث يقول أصحاب هذه النظرية في شرح وجهة نظرهم: "معظم الوحدات الدلالية تقع في مجاورة وحدات أخرى، وإن معاني هذه الوحدات لا يمكن وصفها أو تجديدها إلا بملاحظة الوحدات الأخرى التي تقع مجاورة لها "[3] ،
[1] صلاح الدين زوال الظاهرة الدلالية عند علماء العربية القدامي، ص ص 368، 369.
[2] علي زوين، منهج البحث اللغوي بين التراث وعلم اللغة الحديث، ص 94.
[3] أحمد مختار، علم الدلالة ص ص 68- 69.