1. مفهوم الاحتياجات الوثائقية:

يعد مفهوم الحاجة إلى المعلومات مفهوماً محورياً في مجال البحث عن المعلومات في الوثائق، إذ يُعرَّف هذا المجال بأنه تفاعل بين فرد يحتاج إلى معلومات ووثيقة تحتوي – أو لا تحتوي – على إجابة لذلك الاحتياج [Mizzaro, 1998].

ويُعرّف مفهوم الملاءمة (Pertinence) لدى نفس الباحث باعتبارها العلاقة بين الوثيقة والقدرة على تلبية الحاجة إلى المعلومات؛ فالمعلومة تكون ملائمة عندما تُشبع – ولو جزئياً – حاجة الفرد المعرفية.

وقد تم تعريف مفهوم الحاجة إلى المعلومات تاريخياً في أدبيات علم المعلومات بعدة طرق، منها:

1.                 السعي إلى إيجاد إجابة عن سؤال شخصي  [Taylor, 1967, 1968

2.                   تقليص حالة اللايقين [Atkin, 1973] أو تقليل حالة عدم الاكتفاء المعرفي [Belkin, 1976

3.                   إضفاء معنى على الخبرة أو الظاهرة [Dervin, 1983].

والحاجة متعلقة بمـا لابد للفرد أن يحصل عليه ليقوم بعمله أو بحثه على أحسن وجه، كذلك لإكمـال معرفته وخلق أشياء جديدة.فالباحث في حاجة ماسة إلى المعلومـات الحديثـة لمواصلة بحوثه. فهي تعتبر شرطي لابد منه.

والحاجة في تغير دائم وتخـضع لتفاعلات نفسية، إذا ما اتصلت بالأفكار والمشاعر، واجتماعية إذا كانـت لـه علاقة بالاتصالات الاجتماعية. فالحاجة مرتبطة بالنشاط والبيئة التي يعمل بهـا الشخص.[1]

ويعرف TAYLOR الحاجة بأنها "معنى يدل على العلل والأسباب، وتـدل على طموح الفرد وكذلك على الشعور بالأشياء الناقصة".

2. مستويات الحاجات الوثائقية

وفي ذلك سعى تايلور (Taylor) إلى تحليل حالات الحاجة إلى المعلومات عبر وصف المراحل التي يمر بها الفرد في وعيه باحتياجه المعرفي. وبصفته مؤرخاً وأمين مكتبة، ركّز تايلور على الصعوبات التي يواجهها المستفيدون في التعبير عن حاجتهم إلى المعلومات. وقد قدّم نموذجاً شهيراً مكوَّناً من أربع مراحل، يُعد من أوائل النماذج المفاهيمية ذات المنظور المعرفي للحاجة إلى المعلومات، حيث يرى أن الحاجة إلى المعلومات عملية معرفية تمر بأربع مستويات:

1. الحاجة الفعلية ولكن غير القابلة للتعبير (Visceral Need):  وهي حاجة داخلية «حدسية»، يشعر بها الفرد بشكل غامض وغير واعٍ تماماً.

2. الحاجة الواعية (Conscious Need):   وهي الحاجة كما يُدركها الشخص بوضوح أكبر، لكنها تظل غير مصاغة في لغة قابلة للتعبير.

3. الحاجة المُمكن التعبير عنها بلغة طبيعية (Formalized Need):   في هذا المستوى، تتحول الحاجة إلى سؤال معرفي محدد يمكن صياغته بالكلمات.

4. الحاجة المتكيّفة أو المكيَّفة (Compromised Need):   في هذه المرحلة، تُعرض الحاجة أو السؤال على نظام المعلومات بلغة "توافقية" باستخدام كلمات مفتاحية، بعد أن يُعدِّلها الفرد ليتوافق مع ما يمكن للنظام إرجاعه من نتائج.

يُعتبر هذا النموذج حجر الأساس في دراسات عملية البحث عن المعلومات، وقد تعرّض منذ وقت مبكر إلى نقاشات نقدية منهجية، إذ رأى بعض الباحثين أن عينة الملاحظات التي بُني عليها كانت محدودة.

3. الاحتياجات الوثائقية: مخطط صياغة الاحتياجات.

تُعدّ الاحتياجات الوثائقية أحد المفاهيم المركزية في دراسة سلوك البحث عن المعلومات، إذ تمثل الحالة التي تدفع الفرد إلى السعي نحو مصادر معرفية لتقليص فجوة بين ما يعرفه وما يحتاج إلى معرفته. وقد تطورت دراسة هذه الاحتياجات من خلال مجموعة من النماذج والنظريات التي حاولت تفسير طبيعتها ومستوياتها، من أبرزها: نظرية البناء المعرفي لتايلور (Taylor)، وحالة المعرفة الشاذة لبيلكن (Belkin)، ومنهج صناعة المعنى لديرفن (Dervin)، ونموذج عملية البحث المعلوماتي لكُلهثاو (Kuhlthau)، ونماذج السلوك المعلوماتي لويلسون (Wilson).

1. نظرية تايلور في البناء المعرفي ومستويات الحاجة

يُعدّ روبرت س. تايلور (Taylor, 1968) من أوائل الباحثين الذين قدّموا تصورًا واضحًا لمستويات الحاجة المعلوماتية في إطار ما عُرف لاحقًا بنظرية "البناء المعرفي". وقد ميّز تايلور بين أربع مراحل يمر بها الباحث أثناء تشكّل الحاجة المعلوماتية[1]:

1. المستوى الحسي أو الغريزي (Visceral Need): إحساس داخلي غامض بوجود نقص في المعرفة دون القدرة على التعبير عنه.

2. المستوى الواعي (Conscious Need: إدراك واضح نسبياً لطبيعة الحاجة، لكن دون إمكانية صياغتها في شكل سؤال محدّد.

3. المستوى المصاغ (Formalized Need): تتحوّل الحاجة إلى طلب بحثي أو سؤال محدد يمكن معالجته بأدوات الاسترجاع.

4. المستوى المقبول أو المساوم عليه (Compromised Need): يتم فيه تعديل الطلب بما يتناسب مع اللغة والموارد المتاحة في نظام المعلومات.

ويرى تايلور أن دور أخصائي المعلومات هو مساعدة الباحث على الانتقال من المستوى الغامض إلى المستوى المصاغ من خلال عملية تفاعلية سماها "التفاوض حول السؤال" (Question Negotiation)، وهو ما يجعل عملية تحديد الاحتياجات عملاً معرفياً تفاعلياً وليس مجرد استجابة تقنية (Taylor, 1968).

2. نظرية بيلكن في حالات المعرفة الشاذة (ASK)

قدّم نيكولاس بيلكن (Belkin, 1980)  نموذجًا تفسيرياً لظهور الحاجة المعلوماتية يقوم على مفهوم "حالة المعرفة الشاذة" (Anomalous State of Knowledge)، والتي تُعبّر عن خلل في البنية المعرفية للباحث يجعله عاجزًا عن تحديد ما يحتاجه بدقة. ويؤكد بيلكن أن المستخدم لا يبحث عن معلومة بعينها بقدر ما يسعى إلى إصلاح الفجوة المعرفية، مما يتطلب أنظمة معلومات تفاعلية قادرة على فهم هذا السياق المعرفي[2] (Belkin, 1980).

إن نموذج ASK أسّس للانتقال من النظر إلى الحاجة كشيء “خارجي” يمكن قياسه، إلى كونها بناءً معرفياً داخلياً يرتبط بالتصورات الذهنية للمستخدم.

3. منهج ديرفن في صناعة المعنى (Sense-Making)

ترى بريندا ديرفن (Dervin, 2003): أن الأفراد يتعاملون مع المعلومات كوسيلة لـ بناء المعنى لمواجهة المواقف التي تتسم بعدم اليقين. وتُقدّم ديرفن نموذجًا ديناميكيًا مكونًا من أربعة عناصر أساسية: الموقف (Situation) الفجوة (Gap) ، الجسر (Bridge) ، والنتيجة (Outcome).

تحدث الحاجة المعلوماتية عندما يواجه الفرد فجوة معرفية في موقف معين، ويبحث عن "جسر" من المعلومات يوصله إلى الفهم أو القرار المناسب.

تُعدّ هذه النظرية مهمة لفهم كيف تتشكل الاحتياجات الوثائقية في السياقات الاجتماعية والمهنية، وتُستخدم أدواتها (مثل خرائط المعنى والمقابلات العميقة) لجمع بيانات نوعية دقيقة عن المستخدمين [3](Dervin, 2003).

4. نموذج كُلهثاو في عملية البحث المعلوماتي (ISP)

قدّمت كارول كُلهثاو (Kuhlthau, 1991; 2004) نموذجًا يصف عملية البحث المعلوماتي كسيرورة معرفية ووجدانية تتطور في ست مراحل: البداية (Initiation)، الاختيار (Selection)، الاستكشاف (Exploration)، الصياغة (Formulation)، التجميع (Collection)، والعرض (Presentation).

ترى كُلهثاو أن الباحث يمر بحالات شعورية متغيرة (مثل القلق أو الارتياح) تواكب تطور الفهم، وأن الحاجة المعلوماتية تتبلور بشكل واضح فقط في مرحلة الصياغة، مما يجعل الدعم الإرشادي في المراحل الأولى أساسياً لتقليل الارتباك وتعزيز الثقة[4] (Kuhlthau, 2004).

5. نموذج ويلسون للسلوك المعلوماتي:

يُقدّم توماس ويلسون (Wilson, 1999) منظورًا أوسع يرى أن ظهور الحاجة المعلوماتية لا يمكن فصله عن العوامل البيئية والنفسية والاجتماعية التي تؤثر في الباحث، مثل الوقت المتاح، والموارد، والمهارات، والدافعية.

كما يدعمه باقترح نموذجًا سببيًا يربط بين محفزات الحاجة (Activating Mechanisms) والسلوك المعلوماتي الناتج، مع التركيز على الحواجز التي قد تمنع الإشباع الفعلي للحاجة. ويساعد هذا النموذج على فهم أن الاحتياجات الوثائقية ليست ثابتة، بل تتأثر بالظروف التنظيمية والثقافية [5](Wilson, 1999).



[1] Taylor, R. S. (1968). Question-Negotiation and Information Seeking in Libraries. College & Research Libraries, 29  (3), 178–194. https://faculty.washington.edu/harryb/courses/INFO310/Taylor1968.pdf

[2] Belkin, N. J. (1980). Anomalous states of knowledge as a basis for information retrieval. Canadian Journal of Information Science, 5, 133–143. https://faculty.washington.edu/harryb/courses/INFO310/Belkin1980_ASK.pdf.

 

[3] Dervin, B. (2003). Sense-Making Methodology Reader: Selected Writings of Brenda Dervin. Hampton Press.         https://archive.org/details/sensemakingmetho0000derv

 

[4] Kuhlthau, C. C. (2004). Seeking Meaning: A Process Approach to Library and Information Services (2nd ed.). Westport, CT: Libraries Unlimited. https://wp.comminfo.rutgers.edu/ckuhlthau/information-search-process/

[5] Wilson, T. D. (1999). Models in information behaviour research. Journal of Documentation, 55*(3), 249–270.  https://www2.hawaii.edu/~donnab/lis610/TDWilson_Only_1999.pdf

 




آخر تعديل: الاثنين، 15 ديسمبر 2025، 9:38 PM