هربرت سبنسر

هربرت سبنسرHerbert Spencer هو مهندس وأديب وفيلسوف وعالم اجتماع بريطاني، لم يدخل إلى المدارس الحكومية أو الأهلية للعلم إذ كان منتقدا لسياستها وطريقتها في التربية، لهذا تعلم بنفسه وحصل على ثقافة ذاتية.

نجد سبنسر يحاول تفسير الحراك الاجتماعي بتقديم مقاربة عضوية بين المجتمع والمادة الحية، فبرأيه يتغير المجتمع في ضوء نفس القوانين التي يتحول بها عالم المادة والتي تتحول من وضعية اللاتجانس إلى وضعية التجانس والانتظام. حيث كان أول من فسر النظرية التطورية تفسيرا علميا وطبقها على علم الاجتماع، رغبة منه في تحويله إلى علم متطور شبيه بالعلوم الطبيعية التي كانت معروفه في عصره، وقد نشرت مبادئه الأولى عن النظرية التطورية في 1860 وكانت بمثابة الإطار الخارجي للمعرفة الكونية، كما نشر مقالته الشهيرة "فرضية التقدم" عام 1852 أي سبع سنوات قبل ظهور كتاب "أصل الأنواع" لدارون، هذا وأكد على الفكرة الوظيفية الاجتماعية التي تقوم بها أجزاء الكائن الاجتماعي والتي تترابط مع بعضها وهذا ما يسمى بالتعايش الاجتماعي.

كان لدى سبنسر نظريتان مهمتان حول المجتمع البشري بشكل عام: فكرة التطور الاجتماعي ووجهة النظر العضوية للمجتمع كما هو موضح أدناه:

1) فكرة التطور الاجتماعي: ينتقل المجتمع من الأشكال البسيطة إلى الأشكال الأكثر تمايزًا أو تعقيدًا أو من التجانس إلى عدم التجانس. في كتابه "مبدأ علم الاجتماع"، استخدم القياس العضوي لشرح التنظيم الاجتماعي والتطور الاجتماعي.

2) النظرة العضوية للمجتمع: تصور سبنسر أن أجزاء المجتمع مترابطة ومتشابكة مما يعني أن وجود واحد يعتمد على وجود الآخر والتغيير في جزء يعني التغيير في جزء آخر، الفكرة التي شاركها مع كونت. ولكن على عكس كونت، الذي حاول فرض قوانين لإحداث تغيير في المجتمع الحالي، عارض سبنسر الوصفة الطبية، إن معارضته للتدخل لإحداث التغيير جعلت منهجه جذابًا للغاية وشائعًا للعديد من الأشخاص المؤثرين في إنجلترا والولايات المتحدة الذين لديهم مصلحة في الوضع الراهن وكانوا مرتابين من المفكرين الاجتماعيين الذين أيدوا التغيير. قال إنه من خلال التطور ينتقل المجتمع من التمايز الهيكلي إلى التمايز الوظيفي، من البساطة إلى التعقيد، من التوحيد (التجانس) إلى التخصص (عدم التجانس)

فقد يبن سبنسر أن الارتقاء في جميع ممالك الطبيعة من نبات وحيوان واجتماع إنساني وما يتصل بهذا المجتمع من شؤون تتعلق بالأخلاق والسياسة والعادات والفنون إنما يقوم على أساس واحد هو الانتقال من التماثل والتشابه إلى التباين وعدم التجانس. حيث يعتقد سبنسر أن عملية الصراع من أجل البقاء جعلت كثيرًا من المجتمعات تتح مع بعضها، مما جعل متكاملة ومتطورة، ويمكن ملاحظة ذلك في المجتمعات المعاصرة التي مع بعضها تحقيقا للتوازن والانسجام، الذي يقود إلى ظهور التصنيع كدليل على تتكتل الانسجام بين المتكتلين مع بعضهم البعض. إلى نظرية هربرت سبنسر في التحول من أشكال الحياة البسيطة إلى أشكال الحياة المعقدة غير المستقرة وغير المتجانسة.

وأكد سبنسر على أهمية الفرد واعتبر الفرد النواة الأصلية التي يقوم عليها المجتمع وبين أن الوحدات الاجتماعية تمر بثلاث مراحل:

1-المرحلة اللاعضوية

2-المرحلة العضوية: الكائن الحي (الإنسان)

3-المرحلة ما فوق العضوية: هو المجتمع

وعليه فقد صنف سبنسر المجتمعات من حيث مرحلتها التطورية ودرجة تعقيدها البنيوي. كما صنف المجتمعات على أنها متشددة وصناعية بناءً على نوع التنظيم الداخلي داخل المجتمعات إلى عدة أنواع تتمثل في:

1) المناضلة: وهي المرحلة الدنيا التي تتميز بوجود مجموعات صغيرة من الناس. متجانسة، غير متمايزة، يهيمن عليها الإكراه العسكري والقواعد الصارمة ؛ التعاون الإجباري. في بعض يدعي رؤساء أو ملوك هذه المجتمعات أنهم حصلوا على سلطتهم من القوة الإلهية (الخارقة للطبيعة). الدين يبرر ممارسة القوة العسكرية. وهنا يكون الحراك الاجتماعي ضعيف.

2) المرحلة الصناعية (المجتمع): وهي عكس المرحلة المناضلة. يتم استبدال الحالة بالعقد. لا مزيد من الصلابة بل المرونة؛ لا أكثر استبدادية بل ديمقراطية. وتكون فرصة الأفراد بالحراك الاجتماعي والمهني كبيرة مقارنة بالمرحلة السابقة، لم تكن المشاعر السائدة هي الوطنية بل الفردية والتنمية. الجزء الأكبر من النشاط الاجتماعي هو نحو السلام، والإنتاج من أجل تحسين الحياة. العلاقة الإنسانية حرة ومتجاوبة وتعاقدية لا تتطلب تعاونًا إجباريًا بل تطوعيًا.

3) المجتمع الأخلاقي: المرحلة النهائية والمثالية للتطور المجتمعي. في مثل هذا النوع من المجتمع، تحكم الأخلاق؛ الأفراد أنانيون لكنهم يستجيبون للآخرين. تحل القيود الأخلاقية الداخلية محل القيود الأخلاقية الخارجية. سيأتي الوقت عندما لا تكون هناك حاجة للمحاكم والشرطة وما شابه لحكم المجتمع. في الحقيقة هذه المرحلة هي نوع مثالي (المدينة الفاضلة).