حلقة براغ (الوظيفية)
المدرسة الوظيفية: حلقة براغ
الظاهر أن الوظيفية بنيوية أيضا، كيف ذلك؟ شكليا؛ تبنت حلقة براغ بزعامة فيليم ماتيسيوس مبادئ دي سوسير حرفيا، على الرغم من امتداد يد أعلام هذه المدرسة في التاريخ، كيف ذلك، تمتد كل من براغ وموسكو التي رأسها جاكبسون إلى المدرسة السلافية العريقة في كل من اللغة والأدب، ويبدو أننا حينما نتحدث عن هذا الامتداد وجب أن نشير إلى تلكم العلاقة الوطيدة التي صنعها الوظيفيون ابتداء من جاكبسون بين اللسانيات والأدب عموما، والشعر بالخصوص، ولذلك ستجد أن جاكبسون كثيرا ما انتقد شيئا من تقنيات البنيوية، ويبدو السبب كامنا في درايته التامة بميدان تطبيق تلكم المبادئ، وبعدُ سنصل إلى أن الوظيفية تفرعت لتكون مع هاليداي أقدر المناهج على مقاربة النصوص الأدبية الشعرية والنثرية فيما سمي بالنقد اللساني خلاف البنيوية والتوليدية التحويلية ما تشومسكي.
لا شكّ أن أكثر الذي جدّ في حلقة براغ، هو اصطلاح الوظيفة، الذي جاء تابعا للبنيوية، ما يكون بنيويا ينبغي أن يكون وظيفيا داخل النصوص اللغوية والأدبية، ذلك أن الوظيفيين يقاربون من داخل النص، ومن ثم يفككونه إلى أصغر وحداته، الحق أننا ينبغي أن نعود إلى مبدأ دي سوسير القائل باستبعاد كل ما هو خارج عن نظام اللسان، ذلك أن أعلام الوظيفية قد أتوا على ذكر المستويات اللسانية (صوت، صرف، تركيب) ومن ثم قرنوها بالاصطلاح الأبرز لديهم، قبل ذلك آمن االوظيفيون بما آمن به دي سوسير من أنَّ اللغة شكل وليست مادة، غير أنهم حينما أسسوا لما يسمى وظيفية النّصوص، ومن ثم وظيفية الوحدات اللغوية ضمنه والتي تندرج في ما يسمى المستويات اللغوية.
يبدو واضحا أن وظيفية النصوص تؤدي إلى وظيفية الأصوات، والحق أن هذا شيء يخرج مما قال عنه دي سوسير عرضي وغير جوهري، ويبدو الشيء العرضي بالنسبة للسانيات هو الاهتمام بالجانب المادّي الفزيائي والفزيولوجي من الصوت، الحق أن الوظيفية تهتم بوظيفة الصوت داخل الكلمة، ومن ثم وظيفة الكلمة داخل التركيب، وبعد وظيفة التركيب نفسه التي هي الإفادة في التراث اللغوي، ولذا أسس الوظيفيون لما يسمى الفونولوجيا، أو علم الأصوات الوظيفي، واهتموا بوظيفة الصوت التي يؤديها دون ما سمي بصفة الصوت، تلكم التي تتحدث عن سمات خارجية إنما يكتسبها من مواطن غير لسانية اشتغلت عليها الصوتيات التاريخية، ويبدو الوظيفيون في نظرتهم لكل ما هو تاريخي أقلّ تزمتا من الناحية العلمية، ذلك أنهم اشتغلوا على النص باعتباره علامة مستخدمة في سياق يحمل وظيفة جمالية، والحق إن الوظيفيين بعد ذلك هم أكثر من ارتقت على يدهم مسائل لسانيات النص والخطاب، خلاف النموذجين البنيوي والتوليدي التحويلي[1]
لا يمكننا الانتقال إلى تحديد مفاهيم النظرية و/أو المدرسة الوظيفية بكل فروعها، إن في اللسانيات، أو النقد الأدبي إلا من خلال محاولة تقديم مساءلة معرفية لبنيوية دي سوسير، كذلك للبنيوية في النقد الأدبي، على اعتبار سير اللسانيات والنقد في خطين متوازيين، انتهيا إلى الالتقاء عند النص الأدبي فيما يسمى النقد اللساني، ولسانيات النص، ثم التداولية فيما بعد، بل إننا سنجد ما يسمى اللسانيات المعرفية من جهة، ومقابله علم السرد المعرفي، وإننا لا نتحدث البتة بطريقة الذي ينظر من فوق، على اعتبار أن البنيوية قد جاءت وانتقدت وبانت كل معايبها، ولكننا سنتحدث من منظور اللسانيين والنقاد الذين أتوا بعد دي سوسير بزمن وجيز جدا ، نلاحظ مباشرة أن جاكبسون وهو من أعلام اللسانيات الوظيفية، وعلى الرغم من تبنيه لبنيوية دي سوسير في حلقة موسكو التي أسسسها حوالي 1917م، إلا أنّه انفتح كثيرا على ما يسمى الشعرية، والوظائف اللغوية التي تؤدّي إلى النص كوحدة لاحقة أكبر من الجملة، أو الخطاب إذا استحضرنا الاختلاف بين هذين المصطلحين.
انطلق الوظيفيون من أفكار دي سوسير، اللغة شكل وليست مادة وخاصة في حلقة موسكو، دي سوسير يؤمن بالرمزية، بالعلامات، والسيميااء، ثم العلاقات الاستبادلية والتركيبية، ومنه أتوا بما يسمى التقطيع والاستبدال في كل الوحدات المكونة للجملة، صوت، صرف، تركيب، دلالة، وليس فقط في التركيب.
جاءت الوظيفية بالارتكاز على أفكار دي سوسير، لكنها لم ترفض المنهج التاريخي في دراسة الأصوات بالخصوص، على اعتبار التطور الذي يحدث في الأصوات، وأطلقت مصطلحات من مثل: الصوتيات التزامنية، أي التاريخية، وبعد اهتمت بالمصطلح المركز فيها، وهو الوظيفة، أي وظيفة اللغة، وذكر الوظيفيون أن اللغة نظام، ولكن هذا النظام يستند إلى شيء من التاريخية مثلا، ثم ذكروا أن اللغة تحمل وظائف، ووظائف اللغة تتعلق بمستوياتها، ومن ثم وظيفة الصوت، ووظيفة الكلمة، ووظيفة التركيب، ولقد انطلق الوظيفيون من الكلام الخام، المكتوب في مدوناتهم.
إذا حاولنا المزج بين النقد واللسانيات، فإننا سنجد اهتمام الوظيفيين بجمالية اللغة، وهي الوظيفة الأولى التي يأتي من أجلها الأدب، وتستعمل اللغة، ومنه أتى جاكبسون بالشعرية، وأدبية الأدب، وأتت الشكلانية الروسية، وكذا البنيوية التكوينية